المدونة

استهلاك الديزل للشاحنات الثقيلة: هل يختلف باختلاف الحمولة والطريق؟

مجد الدين صفايا

September 11, 2025

Read time

 دقائق للقراءة

تُعتبر الشاحنات الثقيلة العمود الفقري لقطاع النقل في العالم، فهي تنقل البضائع والمواد الخام بين المدن والدول لمسافات طويلة. ومع ذلك فإن استهلاكها الكبير للديزل يجعل من الوقود أحد أكبر التكاليف التشغيلية لشركات النقل. تشير وكالة الطاقة الدولية (IEA)، إلى أن الشاحنات الثقيلة تستهلك أكثر من 40% من وقود النقل البري عالمياً.

وهنا يظهر السؤال: هل استهلاك الديزل يظل ثابتاً مهما اختلفت الحمولة والطريق؟ أم أن هناك عوامل تجعل الشاحنة تستهلك أكثر أو أقل؟

في هذا المقال، سنبسط لك الصورة بشكل واضح وسهل، ونستعرض أحدث الدراسات والإحصائيات لفهم العلاقة بين: استهلاك الوقود، والحمولة، والطريق.

لماذا يهمنا فهم استهلاك الديزل في الشاحنات؟

قبل أن ندخل في تفاصيل تأثير الحمولة والطريق، من المهم أن نفهم لماذا يعتبر استهلاك الوقود في الشاحنات الثقيلة موضوعاً بالغ الأهمية. فهو لا يقتصر على التكاليف المالية فقط، بل يمتد ليشمل البيئة والربحية وحتى استدامة قطاع النقل.

وفي إحصائية من الإدارة الفيدرالية للطرق السريعة الأمريكية (FHWA) تؤكد أن تحسين كفاءة الوقود بنسبة 10% في أسطول يضم 100 شاحنة يمكن أن يوفر أكثر من 500,000 دولار سنوياً.

استهلاك الديزل في الشاحنات
  1. التكلفة التشغيلية:

الوقود يمثل عادةً ما بين 25% – 35% من التكلفة التشغيلية لشركات النقل.

  1. الأثر البيئي:

استهلاك وقود أكثر يعني انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أكثر، وهو ما يضاعف مسؤولية الشركات تجاه البيئة.

  1. الربحية:

تحسين استهلاك الوقود بنسبة بسيطة (5–10%) قد يوفر ملايين الريالات لشركات الأساطيل.

وكمثال عملي: إحدى شركات النقل في أوروبا والتي تدير أسطولاً من 250 شاحنة، ذكرت في تقريرها السنوي 2023 أنها تمكنت من خفض استهلاك الديزل بنسبة 9% وذلك بعد تدريب السائقين على القيادة الاقتصادية، ما وفر للشركة ما يقارب 1.2 مليون يورو في عام واحد.

دراسة حالة خليجية: شركة سعودية للنقل البري أوضحت أن التزامها ببرامج الصيانة الدورية وتوزيع الحمولة بشكل متوازن ساهم في تقليل الاستهلاك بنسبة 7%، وهو ما يعادل نحو 3,000 لتر من الديزل شهريًا لكل شاحنة.

تأثير الحمولة على استهلاك الديزل

كلما زادت الحمولة، زاد الجهد المطلوب من المحرك، وبالتالي يزداد استهلاك الديزل.

  1. زيادة الوزن = زيادة الاستهلاك:

نشر مجلة Transportation Research دراسة في عام 2024، أوضحت هذه الدراسة أن زيادة الوزن بنسبة 10% قد ترفع استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى 5–8%.

  1. الأحمال الزائدة غير القانونية:

تؤدي لزيادة الاستهلاك بنسبة أكبر بكثير، بجانب مخاطر تلف الإطارات والانقلاب.

  1. الحمل الفارغ:

حتى عند السير بدون حمولة، تبقى الشاحنة تستهلك وقوداً مرتفعاً بسبب وزنها الذاتي وحجمها الهوائي.

مثال تطبيقي:

شاحنة تستهلك 35 لتر كل 100 كم بحمولة نظامية، قد يصل استهلاكها إلى 38 لتر/100 كم عند التحميل الزائد بنسبة 15%.

تأثير الطريق على استهلاك الوقود:

لا يقتصر استهلاك الوقود في الشاحنات على الحمولة فقط، بل يلعب الطريق الذي تسير فيه دوراً محورياً أيضاً. فالسير في طريق جبلي يختلف جذرياً عن القيادة على طريق سريع ممهد، كما أن حالة الطقس قد تزيد من استهلاك الوقود بشكل كبير. لذلك من الضروري فهم كيف تتغير كفاءة الديزل تبعاً لنوع الطريق والظروف المحيطة.

  1. الطرق الجبلية والمنحدرات:

السير في منحدرات بنسبة 6% يرفع الاستهلاك بنسبة 9–12% مقارنة بالطريق المستوي.

ففي تقرير صادر عن وزارة النقل الأمريكية (USDOT) يؤكد أن استهلاك الوقود يزيد بشكل ملحوظ في الطرق المرتفعة بسبب قوة الجاذبية المؤثرة.
  1. الطرق الممهدة مقابل الطرق الوعرة:

الطرق الترابية أو الحصوية تزيد من استهلاك الوقود بنسبة 15–20% بسبب فقدان التماسك وارتفاع المقاومة، وفي دراسة من NHTSA أشارت إلى أن السير لمسافات طويلة على الطرق غير الممهدة يقلل كفاءة الوقود ويزيد من أعطال الإطارات.

  1. تأثير الطقس وحالة الطريق:

السير في الأمطار يزيد الاستهلاك بنسبة 10–15% بسبب المقاومة المائية، وأيضاً الثلوج والجليد قد تضاعف الاستهلاك في بعض الحالات.

مقارنة واقعية بين النماذج المختلفة:

في الولايات المتحدة تستهلك الشاحنات الثقيلة حوالي 39 مليار غالون من الديزل سنوياً (من أصل 54 مليار غالون وقود للشاحنات) وذلك بحسب تقرير نشرته Trucking Industry in the United States)).

  • الحالة الفنية للمحرك:

المحركات القديمة أو التي لم تُصن بشكل دوري تستهلك وقودًا أكثر بنسبة 7–9%.

  • الوزن والطريق معاً:

في دراسة من Oak Ridge National Laboratory (2022) أوضحت أن تأثير الحمولة يصبح أكبر في الطرق الجبلية مقارنة بالطرق المستوية.

كيف يمكن تقليل استهلاك الوقود؟

قد يعتقد البعض أن استهلاك الوقود أمر ثابت لا يمكن التحكم به، لكن الواقع مختلف تمامًا. فبحسب وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA))، يمكن تقليل استهلاك الديزل بنسبة تصل إلى 15% من خلال تحسين أسلوب القيادة فقط، دون أي تغييرات تقنية. وهذا يعني أن هناك حلولًا عملية وبسيطة يمكن أن تنعكس مباشرة على أرباح الشركات وتقلل من الأثر البيئي.

  1. سلوك السائق:

إن القيادة الهادئة تقلل الاستهلاك بنسبة تصل إلى 12–15%، وتجنب التسارع المفاجئ والتوقفات المتكررة يساعد أيضاً في تحقيق هذا الهدف.

  1. صيانة الشاحنة:

إن تغيير فلاتر الهواء والديزل بشكل دوري، والتأكد من معايرة ضغط الإطارات، هذه النقاط تساعد في ضمان تقليل استهلاك الوقود.

لا تنسى أن ضغط الإطارات المنخفض = استهلاك أعلى

  1. استخدام التقنيات الحديثة:

نظام القوافل Platooning)):

يقلل مقاومة الهواء ويوفر حتى 10% من الوقود.

أنظمة إدارة الأساطيل الذكية:

تساعد على مراقبة الاستهلاك وتحديد السائقين الأكثر كفاءة.

دور الحمولة الذكية والتخطيط

إن الحمولة ليست مجرد أوزان تُضاف إلى الشاحنة، بل هي عامل أساسي في تحديد كمية الوقود المستهلكة على الطريق. فطريقة توزيعها، والتخطيط المسبق لمسار الرحلة، يمكن أن يحدثا فرقاً واضحاً بين استهلاك وقود مرتفع أو منخفض، وقد أثبتت دراسات متعددة أن الإدارة الذكية للحمولة تساهم في تقليل التكاليف وتحسين كفاءة النقل، وبالتالي عليك أتباع ما يلي:

  • توزيع الحمولة بشكل متوازن يقلل الاستهلاك ويمنع تآكل الإطارات.
  • التخطيط لمسارات أقصر وأقل ازدحاماً يوفر وقوداً ووقتاً.
وفي دراسة أوروبية نشرت عام (2020) أثبتت هذه الدراسة أن تحسين التخطيط اللوجستي وحده قد يقلل استهلاك الوقود بنسبة 8%.

المستقبل: بدائل الديزل:

قبل أن نستعرض بدائل الديزل، من المهم أن ندرك أن البحث عن مصادر وقود جديدة لم يعد رفاهية، بل ضرورة تفرضها التكاليف العالية والانبعاثات البيئية، وتشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى أن التحول نحو بدائل أنظف يمكن أن يوفر مليارات الدولارات سنوياً ويقلل من الانبعاثات بشكل ملحوظ.

  • الغاز الطبيعي (LNG):

يستخدم في بعض الدول كبديل يقلل من استهلاك الديزل ويوفر 20–25% في التكلفة.

  • الشاحنات الكهربائية:

ارتفعت مبيعاتها بنسبة 175% في النصف الأول من 2025 في الصين، ما أدى لانخفاض الطلب على الديزل بشكل ملحوظ، وذلك وفق تقرير نشرته وكالة Reuters.

  • الهيدروجين:

يُتوقع أن يكون أحد البدائل الرئيسية مستقبلاً للشاحنات الثقيلة لمسافات طويلة.

وفي الختام...

إن استهلاك الديزل في الشاحنات الثقيلة ليس رقماً ثابتاً، بل يتأثر بشكل مباشر بالحمولة، نوع الطريق، حالة الطقس، وحتى أسلوب القيادة.

ومع أن هذه العوامل قد تبدو خارج السيطرة أحياناً، إلا أن الفهم الصحيح لها يساعد الشركات والسائقين على تقليل الاستهلاك وخفض التكاليف وزيادة الأمان.

وبينما يبقى الديزل الوقود الأساسي اليوم، فإن المستقبل يحمل بدائل أوفر وأكثر استدامة، لكن حتى يحين ذلك، يبقى الحل في الإدارة الذكية للحمولة، والصيانة المستمرة، واعتماد التقنيات الحديثة.

الخلاصة... كل كيلوجرام إضافي على الشاحنة، وكل كيلومتر في طريق وعر، له ثمن في استهلاك الوقود. فكن واعياً… ووفّر في الديزل لتحافظ على جيبك وبيئتك.

مقالات أخرى